حينما استمعت باسمة ابنة العشرين ربيعا الى قرع الطبول بمنزل يقع في زقاق ضيق في الحي انتفضت كمن لسعتها « كوبرا» وانطلقت تعدو تسابق الريح ودلفت الى حلبة « الزار» وهي تصرخ والزبد يخرج من فمها وتشد شعرها وانخرطت في رقصات هستيرية فيما ثمة نسوة اخريات يرفعن عقيرتهن بأهازيج مصاحبة لقرع الطبول وبعد ساعات من الرقص المحموم سقطت باسمة ارضا فاقدة للوعي. هذه واحدة من سيناريوهات كثيرة يدعي المشاركون في حلقة الزار انها تتلبسهم وتنغص عليهم حياتهم وتحيلها الى كوابيس متواصلة تقول باسمة في ظهيرة نهار حار زارتنا امرأة بدينة كانت تركز عينها على هيئتي وامتدحت جمالي وابدت اعجابها بي وبعد عدة ساعات من ذهابها شعرت «بكتمة» نفس وصداع حاد. وراجعت عدة اطباء ولكن ابلغوني انني «صاغ سليم» غير ان جارتنا همست في اذني بأنني مصابة بالاسياد ولاعلاج لي سوى الزار ومنذ ذلك الحين وانا اسيرة لقرع الطبول واقوم بحركات لا ارادية لا اعرف سرها وبعدها اشعر كأنني تخلصت من هم كان يجثم على كاهلي.
هستيريا التلبس
وليست باسمة الوحيدة فهذه مريم الشابة العشرينية والتي قالت انها تشعر ان ايد خفية تدفعها للنهوض والذهاب الى ساحة الطبول ومع مرور الوقت ينتابها ضيق حاد وتظهر على تصرفاتها الانفعالات وتبدأ بالصراخ بطريقة هستيرية وتشد شعرها ويصبح كل همها ان تصل الى حلقة الزار وما ان تصل حتى تتوسطها وترقص بطريقة لا ارادية حتى انها في بعض الاحيان تمزق ملابسها وترمي مصاغها ولا تتوقف الا بعد ساعات وفيما تنتبه الى نفسها لاتذكر ماذا كانت تفعل ولكنها حسب اعتقادها تحس براحة نفسية.
وتقول مريم انها زارت سيدة في احد الايام ووجدت عندها امرأة اعلنت عن اعجابها بما ترتديه من ثياب وما ان خرجت المرأة حتى بدأت تشعر بضيق وصداع اجبرها للعودة الى المنزل ونامت ولكنها بدأت تشعر ان رجلا ضخما وطويلا مكبلا بالسلاسل يقف امامها ويقول لها ان عليها منذ الان ان تعتاد على رؤيته لانه «زار» المرأة المعجبة وهي التي ارسلته اليها.
غياب عن الوعي
وحكاية شريفة مع الزار لاتختلف كثيرا عن قصة مريم اذ انها التقت بإحدى النسوة وابدت اعجابها بها وقالت انها لن تسمح من الان ان يقاسمها هذا الاعجاب اي شخص حتى وان كان زوجها ولكنها تخاصمت معها ولم تحمل كلامها على محمل الجد غير انها فجأة اصبحت عليلة ونحل جسدها ومال فمها عن طبيعته وبين الحين والاخر بدأت تنتابها بعض التشنجات وحسب كلامها فان الاطباء عجزوا عن علاجها مما حدا بالبعض للقول انها مصابة بالزار ومن يومها ما ان تسمع دقات الطبول حتى تصرخ بحدة وتسقط مغشيا عليها وفجأة تنهض بقوة وتشعر كأن شيئا في داخلها يدفعها الى حفلات الزار والرقص العنيف حتى تغيب عن الوعي وعندما تفيق تشعر بالارتياح دون ان تذكر ما كانت تفعله.
صداع وريح قوية
اما فاطمة «30» عاما فتعتقد ان اسباب اصابتها بالزار يعود الى قصة قديمة وذلك حينما تزينت وذهبت الى حفل زواج وعندها شعرت بهواء بارد يلامس جسدها رغم حرارة الطقس واستمر معها ذلك الاحساس حتى عودتها الى المنزل فغلبها النوم واحست ان رجلا يحتضنها واعتقدت في البداية انه زوجها ولكن حينما فتحت عينيها وجدت ان زوجها يغط في نوم عميق وتكرر معها ذلك الشيء عدة مرات وعندما استفسرت من بعض صديقاتها ابلغتها احداهن انها مصابة بالزار وهو ما يجعلها تتصور انها تعيش مع ذلك الرجل في المنام وهو الذي يسبب لها الصداع والتشنجات ويجعلها تتوق الى الرقص والحركات الهستيرية في حفلات الزار بين الحين والاخر حتى تهدأ آلامها بعد ذلك.
رجل في المنام
وحكاية مماثلة ترويها علية «30 عاما» مع اختلاف في بعض التفاصيل وتعتقد ان معاناتها بدأت بعد ان تخاصمت مع احداهن التي اكتفت ان ردها علي سيكون خفيا وتقول علية بالفعل بعد خمس دقائق شعرت بصداع شديد وعدت الى بيتي باكية لتحتضنني امي والتي ما ان عرفت بي حتى اسرعت في الاتيان بتلك المرأة لتدهنني و «تكبسني» وترشني بالماء فأمي كانت تعرف ان تلك المرأة مصابة بمرض الزار وبسبب خصامي مع المرأة نقلته لي من يومها لايفارقني حتى في منامي.
زوجة من الجن
ولان الزار وكما يقولون لايفرق بين امرأة ورجل فهذا «علي» وهو شاب في العشرين من عمره تزوج اكثر من مرة وفي كل مرة كان زواجه لايستمر اكثر من اشهر قليلة والسبب حسبما يقول انه تعرف على امرأة من الجان التقى بها ذات يوم اثناء خروجه مع اصدقائه في رحلة برية عزف فيها على العود وحينها رأى فتاة جميلة تخرج من خيمتهم وعندما اخبر اصحابه بما يراه انكروا عليه ذلك لانهم كانوا يجلسون في صحراء لاتقاسمهم فيها الا نفحات الهواء.. كان يراها - كما يقول - في كل مرة يجلس في ذلك المكان واصحابه ينكرون عليه وراح ذات ليلة بمفرده الى نفس المكان ووجد الخيمة وكان كل شيء فيها بدائيا من حطب وفرش قديم ودلال قهوة وليس فيها سوى تلك الفتاة التي سامرته الليل كله ولم يشعر بنفسه الا مع شروق الشمس ممددا على الارض ووحيدا في تلك الصحراء لا ماء فيها ولا خيمة ومن يومها وتلك الفتاة وهي تلازمه حتى مع زواجه المتعدد ولانه قد شغف حبا بها قرر عدم الزواج ثانية حتى لاتأتي امرأة اخرى وتشاركها فيه.
اصوات غريبة وتشنجات
وبنبرة ساخطة تقول «مريم.س» ان الزار ليس مرضا نفسيا فلو كان كذلك لعولجت منه منذ اول مرة اصبت به وكفاني ما اعترض له من رقص امام الاخريات وتشنجات مستمرة واصوات غريبة اسمعها وهي امور خارقة وقوية تجعلني لا استطيع السيطرة على نفسي وليس امامي سوى الاستسلام لتلك القوى وتنفيذ رغباتها طالما انها تريحني.
شامي ويمني
فيما تقول «امنة» ان الزار هو مرض لايمكن انكاره وله انواع واكثر انواعه شهرة هو الشامي واليمني ويأتي بعده البحري وهذا النوع يجعل المصاب به يحلم دائما انه اما داخل البحر او امامه ويلتقي بمن معه يتحدث اليهم ويسامرهم وهذا النوع يجعل صاحبه في خوف دائم من اخرين يتوهم انهم يراقبونه ولاتغفل اعينهم عنه لحظة واحدة لانهم يسيرون خلفه حيثما ذهب.
هستيريا الرقص
وتقول صالحة رغم ان الاغاني التي تصاحب الزار في الغالب تكون متماشية مع من ترقص لكن في بعض الاحيان تقوم المشيخة بالغناء نيابة عنها فمن كلمات اغاني الشامي التي تقام في حلقات الزار «الجنيه كفاك الله، بليتيني بلاك الله، بليتيني بلاك الرب، بليتيني كفاك الرب».
مشيخة تتحدث لـ «عكاظ»
ولان حفلات الزار تشرف عليها ما يسمى بالمشيخ او المشيخة فقد وصفت «المشيخة س» حفلات الزار انها رقص نسائي لطرد الارواح المتلبسة بالانس او لاسترضائها من خلال ايقاعات سريعة على دقات دفوف تقرع لإراحة النساء من آلامهن وتتولى المشيخة التصدي لتلك الارواح وتقول ان الزار شائع ومعروف منذ القدم ومن يصاب به علاجه الرقص في هذه الحفلات التي قد تستمر اكثر من يوم وقد ترقص فيه المرأة المصابة اكثر من مرة ولساعات طوال من حين لاخر اما المصابات به حديثا فلا يتوقفن عن الرقص في هذه الحفلات التي تبدأ لياليها بوليمة غذاء لنا كفرقة تدق طبل الزار بعدها نتحين موعد العشاء الذي نتناوله مع الجميع ونترك ما بقي بعيدا عن الاعين في مكان مظلم ثم نبدأ في دق الطبول والمزمار ونبخر المكان بروائح البخور من مستكة وجاوي وعطور مخلطة ومعها تنطلق الايقاعات التي تختلف من حين لاخر منها اليمني والبحري والشامي والشيبة «السيف» والهليلي والتي تدق بواسطة خمسة اشخاص ثلاثة منهم واقفون احدهم يمسك بالزلفة والاخر بالمكزة والثالث بالبوص فيما يفترش الاثنان الباقيان الارض لاستحضار الجان من خلال دق احدهما على الدربكة والاخر على الزير.
خاتم في الدم
وتتواصل مزاعم المشيخات وتقول اخرى ان بعض حالات الزار الجديدة وحتى يتعرف على نوع المرض الذي اصابها وممن اتى اليها لابد ان تتبع نظاما يسمى «بالتبييت» وهو ان تضع شيئا خاصا بها من خاتم او قماش تحت مخدتها ثلاث ايام يظهر لها في احلامها عند نومها من كان وراء اصابتها هكذا تقول بثقة غريبة وتضيف عندها يصبح امامها ثلاث خيارات اولها البحث عن «مشيخة» تمسك عنها الزار وهذا يكلفها قرابة عشرين الف وثاني الخيارات ان تبحث لنفسها ايضا عن مشيخة تخفف الامها لأشهر وهذا يكلفها بين خمسة الاف الى خمسة عشر الفا.
اما ثالث الخيارات هو ان تصبح مشيخة للزار وهذا يكلفها اكثر من «20» الف ريال وتواصل خرافاتها اذ تقول ان مشيخة الزار بالاضافة الى التكلفة المادية تلزم من ترغب فيها ان تشرب دم كبش اسود وعلى مدى سبعة ايام وفي كل يوم تغمس في ذلك الدم خاتما فضيا به فص اسود.
عالم الخرافة
واذا نظرنا الى عالم الزار وسراديبه المغلقة بعتمة الخرافة نجد ان رزانة البعد الانساني تتلاشى في جلساته وتصبح الامكنة فضفاضة للرقص العنيف والحركات الهستيرية على ايقاع الطبول الصاخبة والصراخ المشروخ كحشرجات تخرج من بين اضلاع الراقصين فيما تكمل خيوط الدخان والبخور سيناريو الزار الذي يعد اخطر الاساطير التي تجد صدى في نفوس البعض.
دستور يا اسيادنا
ثمة كتابات كثيرة لباحثين ومهتمين بهذه الخرافة وتداعياتها وضعت وقائع حفلات الزار في المجتمعات التي تسود فيها مثل هذه الحفلات علاوة على افلام تترجم حبكة الزار منها فيلم الانس والجن ودقة الزار، كما ان اشهر من غنى لخرافة الزار ليلى مراد في اغنية «دستور يا اسيادنا» وسواء كان الزار حقيقة كما يعتقد ضحاياه أو مجرد وهم فقد ذهب البعض الى ان ما يحدث فيه هو مس من جان يتخبط بصاحبه فتصدر عنه تلك الحركات اللا ارادية.
ومنهم من يرى ان تلك الحركات هي افرازات «هرمونية» تتحكم في صاحبها فيتصرف بدون وعي منه. واذا كان الدكتور فهد الطياش في دراسته الانتروبولوجية اشار الى وجود علاقة بين الزار والسامري الا ان الموسيقار غازي علي أنكر ذلك موضحا ان الزار هو نوع من الالعاب التي يلجأ اليها البعض اعتقادا منهم انها وسيلة للتخلص من الارواح الشريرة وذلك من خلال ايقاعات صاخبة يتسيد فيها عزف الناي المعروف بالبوص وهذا لا يستخدم في السامري الذي كان في السابق واحدا من رقصات الحروب لبث الحماسة في نفوس المقاتلين.